عودة الأموال الساخنة: مكسب مؤقت أم خطر مستقبلي؟

عودة الأموال الساخنة إلى المشهد: مكسب قصير الأجل أم تهديد طويل المدى؟

عادت الأموال الساخنة إلى الساحة الاقتصادية في مصر، مع إعادة تدفق الاستثمارات الأجنبية نحو أدوات الدين الحكومية، مما ساعد الجنيه المصري على تحقيق انتعاشة تقدر بحوالي 3.5% منذ مطلع عام 2025. تكمن الأسباب وراء هذه العودة القوية في عدة عوامل، أبرزها الإصلاحات الاقتصادية التي نفذتها الحكومة، وفي مقدمتها تحرير سعر الصرف بشكل كامل ومرن، إضافة إلى الدعم الذي تقدمه المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي، وكذلك الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة، مع التحسين الملحوظ في مستويات الاحتياطي النقدي لدى البنوك.

التدفقات الضخمة إلى أدوات الدين الحكومية

أوضح الخبير المصرفي هاني أبو الفتوح أن هذه الظروف جعلت من أدوات الدين الحكومية، مثل أذون وسندات الخزانة، أكثر جذبًا للمستثمرين، بفضل العوائد المرتفعة وانخفاض المخاطر النسبية. هذا الأمر ساهم في توفير سيولة دولارية ساعدت على تهدئة الأسواق وأعطت دعماً إضافياً للجنيه المصري خلال الفترة القصيرة الماضية. ومع ذلك، يجب أخذ الحيطة من الاعتماد المفرط على هذه التدفقات، نظرًا لطبيعتها المتقلبة وإمكانية خروجها المفاجئ الذي قد يؤدي إلى أزمة جديدة في توافر العملات الأجنبية في الأسواق.

بدوره، ارتفعت الأصول الأجنبية الصافية لمصر بما يعادل 4.9 مليار دولار في مارس 2025، لتصل إلى 15.08 مليار دولار. كما ساهم تنفيذ المراجعة الرابعة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي من صندوق النقد الدولي في تعزيز الاستثمارات في أذون الجنيه، وذلك بحسب تقرير من “رويترز”.

توزيع التدفقات وتأثيرها على الاقتصاد

شهد السوق المصري صعودًا للجنيه بنسبة 2.5% خلال يوليو، حيث تراجعت العملة الوطنية من مستويات تجاوزت 50 جنيهًا للدولار في يونيو. تشير الإحصائيات إلى أن التدفقات الأجنبية إلى أدوات الدين الحكومية تراوحت بين مليار دولار و1.2 مليار دولار خلال الصيف. الخبير المصرفي محمد بدرة أشار إلى أن الحكومة المصرية أصبحت تمتلك خبرة كبيرة في إدارة تلك التدفقات بعد الأزمات السابقة، خصوصًا تجربة الحرب الروسية-الأوكرانية في 2022، والتي شهدت خروج ما يتجاوز 20 مليار دولار من الأسواق الناشئة بشكل مفاجئ.

تعامل الحكومة مع تدفقات الأموال الساخنة ومخاطرها

في ظل هذه الظروف، يجب على السياسات المالية والنقدية الحالية مراعاة طبيعة تلك التدفقات وتبدلاتها. وقد أشار بدرة إلى أن التدفقات تُوجه إلى أدوات قصيرة الأجل، مع تجنب استخدامها في مشروعات طويلة الأمد، مما يضمن عدم انكشاف الاقتصاد على المخاطر الناتجة عن تقلباتها.

على صعيد آخر، اتخذت وزارة المالية والبنك المركزي احتياطات قوية لمواجهة أي انسحاب مفاجئ، مما يضمن أن الاحتياطي النقدي في وضع قوي قادر على امتصاص أي صدمات محتملة. نبّه بدرة إلى أن الوضع الحالي يختلف بشكل جذري عن الفترات السابقة، مشيرًا إلى أن وجود الأموال الساخنة لا يمثل تهديدًا للاقتصاد، بل إن الحكومة مستعدة تمامًا للتعامل مع أي تغييرات غير متوقعة في هذه التدفقات.

في هذا السياق، سجل الجنيه المصري أسعارًا مرتفعة مقابل الدولار، حيث تهاوت الأسعار إلى 48.82 جنيهًا للدولار في بعض البنوك، في دلالة واضحة على تأثير تدفقات الأموال الساخنة.