ارتفاع أسعار الذهب في الأسواق العالمية وانتعاش الطلب عليه خلال العامين الماضيين، خاصة عام 2025، أثارا تساؤلات كثيرة حول العوامل التي أدت إلى هذا الصعود الحاد، والذي شهد مستويات قياسية مغايرة للعلاقة التقليدية مع أسعار الفائدة، مما يبرز أهمية فهم أسباب ارتفاع أسعار الذهب وتأثيراتها على الاقتصاد العالمي.
أبرز العوامل التي تؤدي إلى ارتفاع أسعار الذهب حول العالم
تُفسر أسباب ارتفاع أسعار الذهب بترابط عدد من العوامل المؤثرة، أبرزها تراجع الثقة بالدولار الأمريكي، الذي يربط قيمة الذهب به عكسيًا؛ إذ يؤدي ضعف الدولار إلى ارتفاع الذهب باعتباره ملاذًا آمنًا أكثر استقرارًا لحفظ الثروة. وقد تسبب الجدل بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والاحتياطي الفيدرالي بشأن السياسات النقدية، إلى زيادة الشكوك حول استقلالية البنك المركزي، مما دفع المستثمرين إلى اللجوء إلى الذهب. بالإضافة إلى الدين العام الأميركي المرتفع الذي تجاوز 37 تريليون دولار، ما أضعف الثقة في الأصول النقدية.
تلعب المخاطر الجيوسياسية دورًا حيويًا في تعزيز الطلب على الذهب، فتوسع النزاعات في الشرق الأوسط، واستمرار الحرب في أوكرانيا، وتوتر العلاقات الأميركية–الصينية، فضلاً عن التعزيز العسكري الأميركي في منطقة البحر الكاريبي، جميعها ساهمت في خلق مناخ عدم يقين دفع المستثمرين للدخول إلى الذهب كملاذ آمن، بغض النظر عن تحركات أسعار الفائدة وقوة الدولار.
تأثير الحرب التجارية وتغيرات النظام المالي الدولي على أسعار الذهب
ساهمت الحرب التجارية ورفع التعريفات الجمركية التي أطلقها ترامب في إبريل خلال “يوم التحرير” على معظم دول العالم، في خلق حالة من عدم الاستقرار التجاري وارتفاع أسعار الذهب عالميًا. كما ألقى إعادة تقييم دور الذهب في النظام المالي الدولي بظلاله، حيث تسعى المصارف المركزية وصناديق الاستثمار لتنويع احتياطاتها في ظل تراجع هيمنة الدولار، متبنية نظامًا نقديًا متعدد الأوجه يعزز من موقع الذهب كأصل استراتيجي طويل الأمد.
ويمثل تحول “بيع العملات الورقية” كالدولار واليورو، مع عدم الثقة في استقرارهما بسبب الديون والتحديات الاقتصادية الداخلية، عاملًا مضافًا يدفع نحو الذهب كبديل آمن، خاصة في ظل ارتفاع الطلب المتزايد من قبل البنوك المركزية والدول التي تسعى لتنويع محافظها المالية والتحوط من العقوبات الدولية والمخاطر الجيوسياسية.
تأثير النمو الاقتصادي، أسعار الفائدة، والتضخم على ارتفاع أسعار الذهب
يرتبط تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، سواء في أوروبا أو الصين أو الولايات المتحدة، بميل المستثمرين للبحث عن أصول تحافظ على قيمتها، يقودها الذهب في مقدمتها، خصوصًا مع المخاوف من الدخول في ركود تضخمي. وبما أن الذهب مرتبط بأسعار الفائدة علاقة عكسية، فارتفاع أسعار الفائدة يقلل من جاذبيته بالعائدات المغرية للمدخرات؛ فيما انخفاضها يعزز مكانته كخيار استثماري.
لا تزال معدلات التضخم المرتفعة في الاقتصادات المتقدمة من العوامل المحفزة على الطلب المتزايد على الذهب باعتباره أداة تحوّط فعالة ضد تآكل القوة الشرائية وارتفاع أسعار السلع، نظراً لقيمته الثابتة وقدرته على الحفاظ على القوة الشرائية مع مرور الزمن.
- تراجع ثقة الدولار الأمريكي وفقدان قيمته.
- تصاعد المخاطر الجيوسياسية والنزاعات الدولية.
- تصاعد الحرب التجارية وزيادة الرسوم الجمركية.
- تغير دور الذهب في النظام المالي وتعددية العملات.
- زيادة الطلب من البنوك المركزية وتنويع الاحتياطيات.
- تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي واحتمالات الركود التضخمي.
- العلاقة العكسية بين أسعار الفائدة وجاذبية الذهب.
- استمرار معدلات التضخم المرتفعة في الاقتصادات الكبرى.
| المؤشر | التأثير على أسعار الذهب |
|---|---|
| مشتريات البنوك المركزية | أكثر من 900 طن في 9 أشهر بداية 2025 |
| الدين العام الأمريكي | تجاوز 37 تريليون دولار |
| النمو الاقتصادي العالمي | تباطؤ مع مخاوف ركود تضخمي |
يرتبط ارتفاع أسعار الذهب بعوامل مركبة تعكس تحوّلات اقتصادية عميقة ومخاطر جيوسياسية متصاعدة، متجاوزًا دوره التقليدي كمخزن للقيمة إلى أساس استراتيجي يُبنى عليه في سياسات الدول والمستثمرين على حد سواء. ومع استمرار التوترات العالمية وعدم الاستقرار في السياسات النقدية، يحتفظ الذهب بمكانته القوية، ما لم تحدث تغييرات جذرية تعيد الثقة للنظام المالي.
في ظل هذا المشهد، من الحكمة أن يقوم صغار المستثمرين بتنويع محافظهم الاستثمارية بين الذهب والفضة حفاظًا على أصولهم من تقلبات السوق ومخاطر جني الأرباح، مع متابعة دقيقة للسياسات النقدية التي تؤثر على الطلب على الذهب وتوجهات الأسواق المستقبلية، خاصةً مع استمرار التحديات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية والتضخم المرتفع.
