اليمن تواجه انقسامًا نقديًا كارثيًا يتسبب في تفاقم الأزمة الاقتصادية بشكل غير مسبوق منذ عقود، حيث وصل الفرق في سعر الدولار بين عدن وصنعاء إلى نحو 1100 ريال يمني، أي بفارق يزيد على 200%، ما يعني أن الأسرة في عدن تحتاج إلى ثلاثة أضعاف المال مقابل ما تنفقه الأسرة في صنعاء لشراء نفس الاحتياجات. هذا التفاوت المالي الكبير يعرض نحو 30 مليون يمني لخطر الفقر المدقع في ظل أسوأ أزمة نقدية تمر بها البلاد.
أزمة الانقسام النقدي في اليمن وتداعياتها على السكان
الأرقام الرسمية تكشف جليًا عن حجم الأزمة؛ إذ يتراوح سعر الدولار في عدن بين 1615 و1631 ريال، بينما في صنعاء تبقى قيمته عند 537 إلى 542 ريالًا فقط، مما يجعل الفارق شاسعًا ويؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين اليومية. يروي أحمد المحمدي، موظف حكومي في محافظة تعز، معاناة حزينة قائلاً: “راتبي الشهري لا يكفي لتوفير أبسط متطلبات حياة أسرتي المكونة من ستة أفراد، وأجد نفسي مضطرًا لحمل أكياس من النقود الورقية لشراء رغيف خبز واحد.” ويؤكد الدكتور محمد الشيباني، الخبير الاقتصادي اليمني، أن اليمن تمر بانهيار نقدي غير مسبوق في المنطقة، مع تدهور سريع لا يعرف التوقف. ويصدر البنك الدولي تحذيرًا مقلقًا بأن 80% من السكان أصبحوا تحت خط الفقر، وهو رقم يبعث على الخوف من تفشي الأزمة الإنسانية.
الأسباب الجذرية للانقسام النقدي بين عدن وصنعاء وآثاره على الاقتصاد اليمني
يرجع الانقسام النقدي العميق بين عدن وصنعاء إلى نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن في عام 2016، مما أدى إلى وجود نظامين ماليين متوازيين داخل البلد الواحد. تفاقمت الأزمة بسبب توقف صادرات النفط وتجميد الأصول اليمنية في الخارج، ما أسهم في اضطراب السيولة النقدية، في الوقت الذي يهيمن فيه السوق السوداء على تداول العملات، ليعمق حالة الاضطراب الاقتصادي. يصف الخبراء الوضع بـ”انهيار جليدي يتدحرج ببطء ويحطم كل شيء في طريقه”، مشيرين إلى تشابه الأزمة مع أزمة ألمانيا في عام 1923 حين شهدت تضخمًا نقديًا مضطردًا لا يصدق، حيث لم تعد عربة النقود تكفي لشراء رغيف خبز وحيد. ويرى المحللون أن “الأزمة ستتفاقم بشكل كبير ما لم يتم اتخاذ إجراءات دولية عاجلة لإنقاذ الاقتصاد اليمني”.
آثار الانقسام النقدي واليمن على الحياة اليومية وخيارات المستقبل
تشكل ملامح المعاناة في الأسواق اليمنية اليومية صورًا صادمة لا توصف؛ ففاطمة الزهراني التي تدير مشروعًا صغيرًا في بيع الحلويات مع أربعة أطفال تحت رعايتها، تعجز عن تأمين المواد الخام بسبب ارتفاع الأسعار المستمر. في أحد أسواق عدن، يروي الصراف سالم العنسي عن المشهد قائلاً: “الناس يأتون محملين بأكياس من النقود البالية لشراء حاجياتهم البسيطة، وأصوات عد النقود تندمج مع بكاء الأطفال الجياع”. تعاني المستشفيات من نقص حاد في الأدوية، ويتألم أكثر من 2.2 مليون طفل من سوء التغذية، مما جعل الأسر تبيع ممتلكاتها وتقطع مسافات طويلة بحثًا عن فرص أرخص، فيما تتزايد طوابير انتظار الحصول على العملات. هذا المشهد يعيد للأذهان أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم.
- ارتفاع الفارق في سعر صرف الدولار بين المناطق المختلفة
- انتقال البنك المركزي وتجزئة النظام النقدي
- توقف إيرادات النفط وتجميد الأصول الخارجية
- استفحال السوق السوداء وتأثيرها السلبي على الاستقرار النقدي
- تفاقم حالات الفقر وسوء التغذية والفقر الشديد
- تهديد استدامة الاقتصاد والسلم الاجتماعي
| المدينة | سعر صرف الدولار (ريال يمني) |
|---|---|
| عدن | 1615 – 1631 |
| صنعاء | 537 – 542 |
اليمن تقف اليوم عند مفترق حرج، إمّا أن تشهد تدخلات إنقاذية عاجلة توحّد سعر الصرف وتدعم استقرار العملة الوطنية، أو تغرق في أزمات اقتصادية وإنسانية أعمق تتمثل في عودة نظام المقايضة، وهجرة جماعية لليد العاملة الماهرة التي تمثّل عماد البلاد. الوقت يسرق من الشعب اليمني والعالم في حاجة ماسة إلى الاستجابة السريعة؛ إذ يطرح السؤال المؤرق نفسه: إلى متى يمكن لشعب بأكمله أن يتحمل هذا الانهيار الاقتصادي الخطير دون أن ينهار بالكامل؟
