أسعار الصرف في مصر تشهد تراجعًا حادًا خلال ثلاث سنوات بسبب ضغوط اقتصادية متزايدة

صافي الأصول الأجنبية في مصر شهد تقلبات حادة بين عامي 2021 و2023، حيث انتقل من فائض كبير إلى عجز ضخم يعكس هشاشة الاقتصاد في مواجهة الصدمات الخارجية، مما يطرح تساؤلات حول الأسباب والفرص المستقبلية للعودة إلى الفائض مرة أخرى.

تطور صافي الأصول الأجنبية في مصر خلال الفترة من 2021 إلى 2023

في بداية 2021، وصل صافي الأصول الأجنبية في مصر إلى ذروته عند أكثر من 20 مليار دولار، مدعومًا بتحسن الاقتصاد العالمي عقب جائحة كورونا، وزيادة إيرادات قطاع السياحة، بالإضافة إلى ارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج ودخول استثمارات أجنبية في أدوات الدين الحكومي. تلك الفترة تميزت بثقة كبيرة من المستثمرين في قدرة الجهاز المصرفي على الاحتفاظ باحتياطيات من العملات الصعبة، خصوصًا مع الإصلاحات الاقتصادية التي انطلقت منذ 2016.

مع بداية عام 2022، حدث تراجع حاد أثر بشكل مباشر على صافي الأصول الأجنبية، جراء الحرب الروسية الأوكرانية وتصاعد أسعار القمح والنفط على مستوى العالم، ما زاد فاتورة الاستيراد في مصر. كما شهدت الأسواق الناشئة، ومن ضمنها مصر، موجة كبيرة من خروج رؤوس الأموال الأجنبية، لينخفض المؤشر إلى عجز يصل إلى حوالي 15 مليار دولار بحلول نهاية 2022، الأمر الذي دفع البنك المركزي لاتخاذ إجراءات للحد من خسائر الاحتياطي النقدي.

واصل مؤشر صافي الأصول الأجنبية تسجيل أرقام سلبية في 2023، حيث بلغ العجز نحو 27 مليار دولار، الأدنى منذ نحو 20 عامًا، نتيجة انخفاض الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة، وزيادة الطلب على الدولار من المستوردين، بالإضافة إلى تباطؤ التصدير وتراجع تحويلات المصريين بالخارج بالتوازي مع ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازي.

الأسباب الرئيسية وراء تراجع صافي الأصول الأجنبية في مصر

شهدت مصر عدة عوامل أدت إلى هذا التراجع الحاد في صافي الأصول الأجنبية، من بينها:

  • تراجع الاستثمار الأجنبي جراء رفع أسعار الفائدة في الأسواق العالمية وهروب الأموال الساخنة نحو الأسواق المتقدمة.
  • ارتفاع فاتورة الواردات نتيجة قفزات ملحوظة في أسعار القمح والنفط والأسمدة والأدوية، ما ضاعف الضغط على الطلب على الدولار داخل السوق المحلي.
  • ضعف الصادرات المصرية بسبب التحديات التسويقية وجودة المنتجات، مع تضرر بعض القطاعات كالصناعات الكيماوية والنسيجية من تأثيرات الأوضاع العالمية.
  • تنامي السوق السوداء للعملة وازدياد الفجوة بين سعر الدولار الرسمي والسوق الموازي، مما أدى إلى استنزاف الأصول الأجنبية لدى البنوك الرسمية.
  • تأخير بعض التمويلات من مؤسسات التمويل الدولية رغم الاتفاقات المبرمة، فزاد ذلك من الضغط على السيولة الدولارية.

جهود البنك المركزي والدولة شملت إجراءات مهمة مثل التحرير التدريجي لسعر الصرف للقضاء على الفجوة السعرية، رفع أسعار الفائدة لجذب العملات الأجنبية عبر أدوات الدين، إعادة هيكلة برنامج الطروحات الحكومية لجذب الاستثمارات، واعتماد أكبر على المبادرات التمويلية الخليجية.

آفاق تعافي صافي الأصول الأجنبية في مصر بين 2024 و2025

مع بداية 2024، بدءًا من تحرير سعر الصرف بالكامل وتوقيع اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي، شهد السوق استقرارًا نسبيًا في توفر الدولار لدى البنوك، حيث ظهرت مؤشرات تباطؤ العجز خلال النصف الأول من 2025. وأعلن البنك المركزي عن تحسن طفيف في صافي الأصول الأجنبية مدفوعًا بزيادة إيرادات السياحة وارتفاع الصادرات الزراعية بجانب تحسن تحويلات المصريين بالخارج.

يرتبط الطريق نحو تعافي صافي الأصول الأجنبية في مصر بمجموعة من الإصلاحات الهيكلية الضرورية، التي تشمل:

  • زيادة الصادرات الصناعية والزراعية بشكل مستدام وفعال.
  • تحسين مناخ الاستثمار لجذب المزيد من العملات الأجنبية.
  • تنشيط قطاع السياحة من خلال استراتيجيات ترويج دولية مستمرة.
  • الرقابة الصارمة على السوق الموازية للحد من تسرب الدولار منها.
  • التحول الكامل نحو اقتصاد إنتاجي يتركز على تراجع الاعتماد على الأموال الساخنة.
السنة صافي الأصول الأجنبية (مليار دولار)
2021 +20
2022 -15
2023 -27
النصف الأول 2025 تحسن طفيف

يُعد مؤشر صافي الأصول الأجنبية مرآة حقيقية لأداء الاقتصاد المصري، إذ يؤثر بشكل مباشر على قدرته على تمويل التجارة الخارجية وضبط سعر الصرف واستقرار الجهاز المصرفي. يبقى الانتقال نحو تعافي مستدام تحديًا قائمًا، يتطلب مواصلة الجهود وتكثيف الإصلاحات بالتوازي مع دعم مؤسسات التمويل الدولي والمجتمع المحلي لمواجهة هذه التحديات بكل حكمة وواقعية.