أزمة سكن حادة في تركيا.. ملايين المنازل خالية وارتفاع الإيجارات يضغط على الرواتب

أزمة السكن في تركيا أصبحت واحدة من أكبر الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه ملايين المواطنين، حيث تتصاعد الضغوط بسبب ارتفاع الإيجارات وندرة الوحدات السكنية المتاحة، رغم وجود حوالي 8.5 مليون منزل فارغ في مختلف أنحاء البلاد، مما يعكس تناقضًا واضحًا يدفع هذه الأزمة إلى مقدمة تحديات الحكومة التركية.

أزمة السكن في تركيا: التناقض بين المنازل الفارغة وارتفاع الإيجارات

تعاني تركيا من أزمة السكن التي تتسم بفجوة كبيرة بين عدد المنازل الفارغة واحتياجات السكان الفعلية، فقد أفادت بيانات معهد الإحصاء التركي بنهاية 2024 بوجود 8.5 مليون منزل شاغر، في حين يعيش نحو 7 ملايين أسرة في منازل مستأجرة، ولا يملك سوى 56.1% من السكان بيوتهم، مقارنة بـ59.7% في 2016، مع ارتفاع نسبة المستأجرين إلى 28% بدلاً من 24.4% قبل عشر سنوات. هذه الفجوة تعكس الضغوط الاقتصادية الكبيرة التي يعاني منها المواطنون، حيث تؤكد إحصائيات 2024 أن 84.8% من الأسر تراها عبئًا على ميزانيتها، وهو أعلى معدل منذ أكثر من عقد، وسط غياب الدعم الحكومي المباشر للإيجار عكس أوروبا.
وفق منصة “Endeksa” العقارية، بلغ متوسط الإيجار الشهري 23,402 ليرة تركية (589 دولارًا) في يونيو 2025، بزيادة سنوية 27.75%، بينما سجلت إسطنبول 29,939 ليرة (767 دولارًا) بارتفاع 38.39%. هذا الارتفاع المتسارع في الإيجارات يفاقم أزمة السكن في تركيا بشكل مستمر.

ارتفاع أسعار المنازل وقروض الإسكان يفاقمان أزمة السكن في تركيا

شهدت أسعار المنازل في تركيا ارتفاعات غير مسبوقة خلال العقد الماضي، حيث تضاعفت 21 مرة، في حين زادت الإيجارات 15 ضعفًا، متجاوزة كل دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD). في 2025، وصل معدل التضخم السنوي للإيجارات إلى 82.97%، ما يعكس صعوبة كبيرة في الحصول على مسكن مناسب. أسعار العقارات ارتفعت بنسبة 32.8% على مستوى البلاد، و42.1% في أنقرة المتأثرة بحركة النزوح الداخلية إثر زلزال فبراير. في المقابل، يتقاضى معظم العمال رواتب لا تتجاوز 817 دولارًا شهريًا، مما يجعل شراء منزل خارجًا عن الإمكانات، خاصة مع فائدة قروض الإسكان التي بلغت 42.56% سنويًا.
مثال على ذلك: شقة متوسطة السعر 4.36 مليون ليرة تركية تحتاج إلى دفعات شهرية 134,774 ليرة لمدة عشر سنوات، وترتفع هذه الأقساط في إسطنبول إلى حوالي 180 ألف ليرة، مما يعني أن حلم التملك بات بعيد المنال. ولم يقتصر التأثير على الأفراد فقط، بل تراوحت نسبة مبيعات العقارات الممولة بالقروض من 38% في 2020 إلى 10.7% في 2024 قبل تحسن طفيف ليسجل 11.9% في 2025.

العام نسبة مبيعات العقارات الممولة بالقروض
2020 38%
2024 10.7%
2025 11.9%

إجراءات وخطط الاحتواء وأدوات الاستثمار الجديدة لتخفيف أزمة السكن في تركيا

في ظل تفاقم أزمة السكن في تركيا، يستمر المستثمرون في تحقيق عوائد مرتفعة، إذ انخفضت فترة استرداد رأس المال عبر الإيجار إلى 14 عاماً في إسطنبول و13 عاماً على المستوى الوطني، مما يجعل العقارات مغرية للربح، لكنها مغلقة أمام الطبقات المتوسطة والفقيرة. استجابةً للأزمة، أطلقت وزارة البيئة والتخطيط العمراني في يوليو 2025 نظام السندات العقارية القابلة للتداول التي تتيح الاستثمار في مشاريع الإسكان عبر سوق الأسهم دون الحاجة لدفعات أولية أو قروض بنكية.
بدأ المشروع بمجمع “داملاكَنت” في باشاك شهير بإسطنبول، بقيمة 1.25 مليار دولار، مع بدء التداول في 11 أغسطس 2025. رغم ذلك، تعرّض البرنامج لانتقادات بسبب ارتفاع أسعار الوحدات مقارنة بالسوق، حيث تجاوز سعر المتر المربع 77 ألف ليرة في بعض الشقق، بينما المتوسط في باشاك شهير لا يتعدى 55 ألف ليرة.
في سياق متصل، أعلن وزير المالية محمد شيمشك عن خطة لبناء 500 ألف وحدة سكنية اجتماعية خلال السنوات الثلاث المقبلة بالتعاون مع وزارة التخطيط العمراني، مع تمديد فترة سداد القروض لما يصل إلى 30 أو 50 سنة للأسر ذات الدخل المحدود، أي ما يمثل ثلث إجمالي ما بُني خلال 20 عامًا بواسطة وكالة “TOKİ” التي بلغت وحداتها أكثر من 1.5 مليون.

  • إطلاق نظام السندات العقارية القابلة للتداول
  • مشروع داملاكَنت في باشاك شهير بقيمة 1.25 مليار دولار
  • بناء 500 ألف وحدة سكنية اجتماعية خلال 3 سنوات
  • تمديد فترة سداد القروض إلى 30-50 سنة للأسر منخفضة الدخل

يرى خبراء السوق، وعلى رأسهم نوربانو تورغن زورلو، أن السندات العقارية أداة مالية مبتكرة تتيح للمواطنين الاستثمار بأمان دون الوقوع في أعباء الديون، لكنها أكدت أن طول فترة القروض لا يفي بالغرض ما لم تُربط الأقساط بدخل المستفيدين. كما أشارت إلى وجوب إصلاحات عميقة في السياسات الضريبية والمالية، إلى جانب حوكمة مالية مشددة لموازنة العرض والطلب وضبط الأسعار وجذب الاستثمارات الأجنبية، للحيلولة دون تقلبات حادة في السوق العقاري.

بهذه الصورة، تتشابك أزمة السكن في تركيا بين التحديات الاقتصادية والمجتمعية، مع محاولات متعددة للتخفيف من حدتها من خلال أدوات استثمارية جديدة ومشاريع إسكان اجتماعي، دون أن تختفي حتى الآن تداعيات ارتفاع الأسعار والضعف في قدرة الطبقات الوسطى والفقيرة على الوصول إلى المسكن اللائق، وسط فجوة واسعة بين العرض والطلب الحقيقي.