مراجعة قانون إحالة الموظفين عند الستين: هل حان الوقت لتحقيق العدالة الاجتماعية؟

إحالة الموظفين عند الستين.. هل آن أوان مراجعة القانون لتحقيق العدالة الاجتماعية؟

تتعزز الحاجة إلى مراجعة قانون التقاعد في العراق، الذي يفرض إحالة الموظفين إلى التقاعد عند بلوغهم سن الستين، في زمن تزداد فيه التعقيدات الاجتماعية والاقتصادية. ومنذ إقرار هذا القانون منذ عام 2014، ظهر تأثيره السلبي على العديد من الموظفين، وخاصة أولئك الذين انضموا إلى سوق العمل في وقت متأخر لأسباب لا دخل لهم بها. يعكس ذلك ضرورة النظر في التزام القانون بمعايير العدالة الاجتماعية وتلبية احتياجات سوق العمل الآخذ في التغير.

التأخير القسري في التعيين ونهاية مبكرة للطموحات

عانى فئة واسعة من الموظفين، خصوصا الذين ولدوا في الأنظمة السابقة، من تهميش غير عادل خلال العقود الماضية لأسباب سياسية وأمنية. إذ لم يكن أمامهم خيارات التعيين إلا بعد عام 2003، وغالبا بعد تجاوزهم الأربعين عاما. هذا الوضع أبعدهم عن مستحقاتهم التقاعدية الكريمة بسبب عدم استكمالهم لفترة الخدمة المطلوبة للحصول على امتيازات نهاية الخدمة. وعندما تمت إحالتهم إلى التقاعد عند الستين، واجهوا واقعاً مؤلماً حيث غادروا الخدمة العامة دون تعويضات ملائمة لأعوام الحرمان، فالعدالة الاجتماعية لا يمكن أن تتحقق دون احتساب جهودهم وخبراتهم الطويلة.

رواتب التقاعد: غير كافية لتلبية الاحتياجات الأساسية

تشير الإحصائيات الصادرة عن الهيئة الوطنية للتقاعد إلى أن الكثير من المتقاعدين يتلقون راتباً شهرياً لا يتجاوز 600,000 دينار. هذا المبلغ لا يكفي لتلبية الحاجات الضرورية، خاصة في ظل تصاعد تكاليف المعيشة وضعف القوة الشرائية للعملة العراقية. يجد هؤلاء المتقاعدون أنفسهم في مرحلة حرجة من حياتهم حيث يواجهون مصروفات تعليم ومرافق طبية لأبنائهم، ويستمر عدم وجود دعم من الدولة ليزيد من معاناتهم المعيشية.

إقصاء الكفاءات وهدراً للخبرات

يمثل إحالة الموظف عند الستين، بغض النظر عن حالته الصحية أو أهمية عمله، إقصاءً تعسفياً لمجموعة من ذوي الخبرات التي لا تزال قادرة على العمل وخدمة المجتمع. لا سيما أن القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم تعاني من نقص حاد في الكوادر المؤهلة. بدلاً من استغلال الخبرات المحلية، تلجأ بعض المؤسسات الحكومية إلى استقدام “خبراء” من الخارج بعقود مرتفعة، مما يزيد من هدر الكفاءات الوطنية.

  • رفع سن التقاعد إلى 63 أو 65 عاماً، خاصة لمن تم تعيينهم بعد سن الأربعين.
  • احتساب خدمة اعتبارية تعوض سنوات التأخير في التعيين.
  • ربط الحد الأدنى للراتب التقاعدي بمؤشر تكاليف المعيشة والتضخم.
  • إتاحة فرص التعاقد الاختياري للمتقاعدين ذوي الخبرة ضمن عقود استشارية.
  • إطلاق برنامج تأمين صحي وطني شامل للمتقاعدين، خاصة ممن لديهم أمراض مزمنة.

إن إصلاح قانون التقاعد الموحد ضرورة ملحة تواكب احتياجات الواقع. ينبغي على الدولة أن تنظر إليه كحق إنساني ووسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية. فلا يمكن أن تتجاهل احتياجات أولئك الذين تعرضوا للتأخير القسري في التعيين، وفي الوقت نفسه، لا يجب التفريط بكفاءاتهم في ظل الظروف الراهنة. يجب أن يكون التغيير تشريعياً يعكس تقدير الإنسان أولاً وقبل كل شيء، ويضمن له مستقبلاً كريماً يتوافق مع احتياجاته وطموحاته.